تابع قصة الفتاة السورية والهرب من المصير المحتوم
عندما تعمل لسنوات طويلة في الاخبار تصبح معتاد اعتيادا مؤسفا على كل صور القتل والتشريد وعندما تعمل مثلي في برامج شؤون المرأة العربية تعتاد على سماع قصص الألم المكبوت.
وتبقى مع ذلك قصص تحرق القلب.. تلك المخبأة تحت كل رماد الحروب والقتل والتشريد. تلك الصرخات المكتومة الضائعة في ساحات ضجيج المقايضات السياسية والمساومات على حياة البشر.
تلك هي قصة "رنا" التي صار لازما علينا أن نشير إليها باسم غير اسمها حتى لا نزيد من معاناتها التي لا طاقة لها بها.
جاء صوتها هادئا لا يشي بكل الالم وليالي الصبر التي عاشتها ولا أعرف كيف احتفظت رنا بكل رباطة جأشها وهي تروي لي قصتها.
"كنت بين قريناتي الجريئة الشجاعة كنت لا أخاف.. وكنت أحب المدرسة والتعليم ورغم أن ظروفي حالت دون أتمامي التعليم الجامعي لم أر يوما أن يكون ذلك حائلا بيني وبين أن أتعلم كل يوم الجديد فالتحقت بالمعاهد الخاصة."
"كان حلمي أن أتعلم وأضيف لحياتي بعدا جديدا ونجحت في الحصول على وظيفة مدرسة في روضة".
لم تكن قصة "رنا" غريبة على مسامعي، فقد انجزت قبل سنوات تحقيقا بالتعاون مع منظمة اليونيسيف حول تعليم الفتيات جعلني على دراية أن البنت العربية مازالت في الدرج الاسفل في التعليم وأنها الاكثر عرضة للتسرب من المدرسة خاصة في المراحل الثانوية.
"كان ابن عمي" قالت رنا "وابن العم كما تعرفين مفضل عمن سواه وأصرت العائلة على أن اتزوجه. لم أجد فيه رجل أحلامي كان نقيضا لكل ما في قناعتي ونظرتي الى الحياة لم يكن له طموح لا يحب التعليم وكان انطوائيا لا يحب الاختلاط بالناس وكان مصرا أن يعيش نمطا واحدا في حياته لا يتغير.. ظللت أقاوم كثيرا فكرة الزواج منه لكنهم تغلبوا على إرداتي وقهروني على الزواج منه".
لكن رنا كان يراودها حلم.. حلم أن تعيش وتتعلم وتعمل لكي تحفظ انسانيتها المفقودة في البيت، وكلما كبر الحلم زاد طغيان الزوج الذي جنح الى العنف مرارا كي يكسر إرادة الحياة داخلها.
وكان انضمامه إلى الجماعات المسلحة الأثر البالغ على حياتها صار أكثر عنفا وأصبح يهددها بالسلاح. كما روت لي.
في يوم محتوم أغلق زوج رنا عليها الابواب ليمنعها من الذهاب إلى عملها. قطع الانترنت والهاتف وأغلق النوافذ كي لا يسمع أحد صوت استغاثتها. أصبحت مثل الفريسة التي وقعت في شباك الصياد تحاول الفرار دون فائدة.