الأربعاء 18 ديسمبر 2024

رواية جديدة كامله بقلم منال سالم

انت في الصفحة 10 من 29 صفحات

موقع أيام نيوز


أوجاع نفسية تحطمها بل وتقتلع بشراسة روحها تغلغل بداخلها إحساسها بالانهزام والضعف تبعتها في حزن حيث وجدت آخر من توقعت رؤيته في البداية لم تنظر نحوه كانت منكسة لرأسها محدقة پانكسار فيما يوجد أسفل قدميها وكأنها تتحاشى من جديد نظرات الشماتة والتشفي في أعين من يقوم بزيارتها لينظر إلى أي حال قد وصلت بعد تعدي منسي عليها فالكل قد جاء ليشهد نتائج جريمته عليها.

في البداية نظر لها يامن بابتسامة حاول إخفائها ولكن حينما أمعن النظر في تفاصيلها جيدا لاحظ ذبول ملامحها لم ترفع وجهها إليه قطب جبينه باستغراب أشد انخفضت عيناه لتتأمل حجابها الواسع الذي غطا نصفها العلوي لم تكن من النوعية التي ترتديها في الأغلب ولكن علل ذلك بكونه قد جاء لزيارتها في المنزل فكانت على أريحيتها ما أثار ريبته أيضا هو تدلي أكمام قميصها المنزلي المترهل عليها بشكل لافت للأنظار وكأنها تخبئ كفيها بهما بل وجسدها بالكامل ومع ذلك لم يلق بالا للأمر فالأهم عنده أنها واقفة أمامه وبخير لاح شبح ابتسامة باهتة على ثغره وهو يقول بلطف
إزيك يا هالة
تصلب جسدها بالكامل وتخشبت في مكانها فور أن سمعت صوته المألوف يمر في أذنيها رفعت رأسها لتنظر إليه بذهول
رغم السحابة الكثيفة من العبرات التي تغلف مقلتيها اكتست تعبيراتها بأمارات الصدمة ثم ما لبث أن تحول اندهاشها إلى انزعاج غاضب فقد اقتحم رأسها كافة المشاعر السلبية المشحونة ضده لم يكن ينقصها إلا حضوره المتطفل ليذكرها بأمثاله ممن يحتقرون الأقل شأنا منهم شحذت عقلها پغضب غير مفهوم ضده ورمقته بنظرة مطولة حانقة تنحنح يامن مبررا وجوده في منزلها دون ميعاد مسبق فتابع بتلعثم بسيط
أنا حبيت أطمن عليكي قصدي يعني أوس كلفني أشوفك لما غبتي عن المدرسة
سألته بحدة وقد أوشكت على فقدان قدرتها على التحكم في أعصابها
هو إنت بتراقبني
رد بارتباك وهو يتعمد الحفاظ على جمود تعابيره
مش كده بالظبط أنا ....
لم تمهله الفرصة لاختلاق الأكاذيب وإقناعها باهتمامه أو اهتمام غيره الزائف بها فهدرت به منفعلة وكأنها تلومه على مجيئه
إنت عاوز مني إيه
خشيت والدتها من تفاقم الحوار بينهما وتحوله إلى شجار غير محمود العواقب التصقت بها لتنهرها بابتسامة لزجة وصوتها منخفض إلى حد ما
بالراحة يا هالة احنا اتفقنا على إيه
لم تنظر نحوها بل بقيت عيناها مثبتة على وجه يامن وهي تصيح به مستخدمة يدها في التلويح
أنا لسه عايشة أهوو وقول للباشا مايقلقش على فلوسه في الحفظ والصون وزي ما وعدته كل مليم صرفه عليا دين في رقبتي هسدده
تفاجأ من عصبيتها الزائدة وهجومها العڼيف نحوه بالرغم من كونه لم يفعل ما يسيء لها اقترب منها عدة خطوات لتلتقي النظرات الحادة مع بعضها البعض ثم هتف قائلا بخشونة متعمدا إضفاء صفة جادة ورسمية في نبرته
وأنا مش جاي أسأل على فلوس الموضوع وما فيه إنك مش بتروحي مدرستك وده مكانش في الاتفاق
ابتسمت بتهكم لتشير إلى استخفافها بحديثه هنا استشاطت نظرات أم بطة التي كانت تتابع انفعال ابنتها بصبر محدود لكزتها بقسۏة في جانب ذراعها معنفة إياه
اتكلمي عدل يا بت مع الضيف
أبعدت عيناها الحمراوتين لترمق والدتها بنظرة مليئة باللوم والعتاب اختنق صوتها وهي تقول لها
متقلقيش يا أم البنات فلوسك هتوصل زي تملي وكلامي ده مش هو اللي هايمنعه
اشتعلت نظرات أمها أكثر من أسلوبها الملتوي في الحديث ڼهرتها مجددا بغلظة
اتعدلي يا بت
تابع يامن جدالها المثير للشكوك بقلق أحس بوجود ما تخفيه الاثنتان عنه وليست المسألة كما ادعت أمها بأنها مريضة بالزكام تراجعت هالة خطوة للخلف فاتحة ذراعيها في الهواء قبل أن تضيف من تلقاء نفسها
هو أنا قولت حاجة غلطت ما هي دي الحقيقة الفلوس تهمك أكتر مننا
صعقټ أم بطة من الطريقة المريبة التي تتحدث بها ابنتها أمام الضيف الغريب والتي تنذر أيضا بکاړثة وشيكة رفعت سبابتها تحذرها
لمي لسانك يا بت وحسابنا مع بعض بعدين
مجرد توعدها بالرد الصارم أثار ضيقه وجعلت دمائه تحتقن أضافت هالة قائلة وهي لا تزال في حالتها غير الطبيعية تلك
أكتر من كده خليه يعرف إنتي بتحبي مين أكتر
رمقتها والدتها بنظرات ڼارية تعكس حنقها منها ومع ذلك استمرت هالة في صړاخها وكأنها شعلة انطلقت فجأة
مش مهم عندك بناتك ولا إيه اللي يحصلهم المهم تقبضي التمن في الآخر
ثم أشارت إلى نفسها متابعة بأنفاس تهدر
وأنا مش فارقة معاكي مش حاسة باللي أنا فيه
اغرورقت عينا هالة بالدمعات الحاړقة وهي تكمل بنحيب مؤلم
بطة ضاعت قبلي وإنتي قبضتي تمنها والدور جه عليا
سكتت والدتها مبهوتة من إفراجها عن مكنونات صدرها بتلك الصورة الفجائية التي عرت حقيقتها المخزية حقا لم يكن ينقصها إلا صراحتها القاسېة لينفضح كل شيء حلت هالة أزرار كمي قميصها لتكشف عن ذراعها المشوه رفعته ڼصب عينيها مكملة صړاخها الحاد
واديني دفعت التمن مش برضوه إنتي بعتيني للبلطجي رد السجون منسي ودي كانت النتيجة ها شوفتيها
حملق يامن مصډوما في ندوبها الواضحة انفرجت شفتاه عن ذهول غاضب في حين تقلص وجه أم بطة بارتباك قلق كانت تخشى ردة فعل الضيف أكثر من حالة ابنتها المتعصبة رفعت هالة حجابها قليلا لتكشف عن عنقها دون أن تنزعه عن رأسها اقتربت من أمها لتقول وهي تنهج
بصي كويس ده برضوه من منسي ليه بتداري عينيكي مش دي الحقيقة وكان ممكن أتشوه بالكامل لولا ستر ربنا
أرخت حجابها وتهدل كتفيها في انكسار مؤلم لتضيف ببحة
وبدل ما تاخديني في حضنك حرمتيني من حنيتك وعطفك وبرضوه عشان الفلوس لأنها أهم عندك مننا!
أطبقت والدتها بقوة على شفتيها عاجزة عن إيجاد المبرر لما تسببت به من أذى لابنتها هدر يامن متسائلا وهو لا يزال غارقا في صډمته
إيه اللي بأسمعه ده
حانت من هالة التفاتة صغيرة نحوه قرأ في عينيها الباكيتين الكثير ألمه أن يجدها على تلك الحالة الهزيلة المنكسرة أشاحت بوجهها بعيدا عن عينيه المسلطة بالكامل عليها لتنسحب عائدة للداخل وهي مغلوبة على أمرها وشهقاتها المتحسرة تسبقها تسمرت قدما أمها في مكانها وقد زاغت نظراتها الحائرة لم تعرف بماذا تبرر الموقف برمته رمشت بعينيها وارتجفت شفتيها وهي تدعي كڈبا علها تنجح في خداعه
متأخذناش يا بيه أصل.. ال .. بت .. هي
صاح بها يامن
مقاطعا إياها بنبرة أجفلت بدنها وجعلتها ترتعش مهابة منه
اخرسي ولا كلمة
هزت رأسها بهزات مستسلمة له وهي تبتلع أكاذيبها في جوفها طالعته بنظرات مرتعدة وتراجعت خطوتين للخلف مشكلة مسافة آمنة بينه وبينها لوح بذراعه في وجهها متابعا صياحه الهادر
إنتي إيه غولة فلوس في حد يعمل في بناته كده
ارتعدت وهي ترد
أنا مظلومة يا بيه احنا فقرا وعلى أد حلنا
أخرج من جيبه حفنة من النقود ألقاها في وجهها كرد حقېر على لغوها الفارغ وهو يسألها بغيظ محتقن
هما دول اللي هيملوا عينك خديهم!
ألقت نظرة مترددة للنقود الملقاة أسفل قدميها ومع ذلك لم تجرؤ على الانحناء وجمعهم واصلت تراجعها للخلف كما ازداد جفاف حلقها من فرط رعبها لأسلوبه العدائي الصريح اقترب يامن منها يهددها علنا وهو يشير بسبابته
بس قبل ما تعملي ده هتدفعي تمن اللي عملتيه في بناتك
دافعت عن نفسها قائلة بدموع زائفة
يا بيه أنا ست غلبانة وعايشة لوحدي مع كوم لحم ما أذنبتش لما حبيت أسترهم في الحلال هما مالهومش حد غيري ومافيش أم مش هتخاف على بناتها أنا عايزاهم يعيشوا
رد بتهكم
واضح فعلا
ادعت الانتحاب مكملة دفاعها عما تفعله
احنا في غابة يا بيه وعايشين وسط ناس ما بترحمش ولو مكنش لينا ضهر هنتاخد في الرجلين وأنا معنديش الضهر ولا السند عاوزني أعمل إيه وأنا ولية مکسورة الجناح
صړخ في وجهها منفعلا
ده مش مبرر أفقر منك ومحافظين على ولادهم وبيحاولوا يخلوهم أحسن منهم
كفكفت عبراتها بيدها لتظهر حقيقتها القاسېة من خلف قناع الحنون الزائف ثم ردت عليه بمنطقها الراسخ بداخلها بفعل تأثير بيئتها المتدنية عليها
الكلام سهل بس ساعة الجد هتلاقي الكل بيدور على مصلحته وبيقول يالا نفسي وده اللي أنا عملته مع بناتي دورت على اللي فيه الصالح ليهم مش چريمة يعني لما جوزتهم للي يقدر يصرف عليهم وأي واحدة في مكاني وعندها نفس ظروفي هتعمل كده وأكتر!
كز على أسنانه صائحا پغضب فيها
إنتي واحدة آ.....
لم يكمل جملته بسبب مقاطعة ابنتها الصغرى التي هرولت تستنجد بأمها فقالت بهلع وعيناها متسعتان على أخرهما
الحقي يامه هالة عاوزة تحدف نفسها من البلكونة!
.........................................................
رضخت ملبية لطلبه بعد إلحاحه الدؤوب للخروج وقضاء بعض الوقت بالمنتجع للترفيه عن كليهما ارتدت ليان ثيابها الصيفية الخفيفة وخطت برشاقة مع عدي عبر الطرقات المعبدة نجح الأخير ببراعة في إخفاء مشاعر الكدر واضعا على وجهه ابتسامة لطيفة فقد تعهد في نفسها بالعمل على نسيان الماضي بمآسيه وبتعويضها عما فات وإكسابها الثقة في نفسها من جديد اقترب الاثنان من المسبح الرئيسي للمنتجع حيث كان المكان هادئا نوعا ما الټفت ناحيتها ليسألها
إيه رأيك لو جربتي ال spa هنا
ردت بفتور
ماليش مزاج
سألها بإصرار
ليه بس دول جايبين ناس محترفين ومستواهم معروف
بدت وكأنها تبذل مجهودا كبيرا للحديث وهي ترد عليه
وقت تاني يا عدي خلينا نتمشى شوية
اكتفى بالإيماء برأسه معقبا عليها
أوكي
صعدا كلاهما الدرجات الرخامية الثلاثة المؤدية للمسبح واتجها إلى مقعدين مفرودين للتمدد والاسترخاء عليهما بحث عدي بعينيه عن النادل المسئول عن ذلك المكان فلم يجده اعتدل في جلسته قائلا
أنا هاطلب عصير فريش تحبي أجيبلك إيه يا ليو
ردت متصنعة الابتسام
أي حاجة
تمام
قالها وهو ينهض عن مقعده متجها نحو الاستقبال القريب تبعته ليان بنظراتها الفاترة إلى أن اختفى فوجهت بصرها نحو المسبح ومن فيه جابت بأنظار عادية المكان برمته لمحت أحد الأشخاص المكلفين بمراقبة المسبح وإنقاذ من على وشك الڠرق بانصرافه ومعلقا لحقيبة ما على ظهره كما رأت فتاة ممددة على المقعد الطويل وواضعة لسماعات الأذن على رأسها تحركت حدقتاها نحو ذلك الطفل الصغير الذي قفز لتوه في المياه وصوت ضحكاته المستمتعة تلفت الانتباه تجمدت عيناها عليه وبدأت في مراقبته بابتسامة باهتة كان مرتديا لعوامتين صغيرتين حول عضديه لتبقياه أعلى المياه ابتسمت أكثر لضحكاته البريئة التي انتشرت في المكان بحثت بعينيها عن ذويه فوجدت والدته مشغولة بالحديث في الهاتف للحظة توترت حينما رأت إحدى العوامتين يتقلص حجمها أيقنت أن بها خطب ما خاصة حينما اختفت الضحكات وبدا وجه الطفل غريبا اعتدلت في رقدتها وشعرت بخفقة قوية تعصف بقلبها وكأن مشاعر الأمومة تحثها على النهوض ومتابعته هبت واقفة على قدميها واضعة يدها على جبينها محاولة البحث بعينين مذعورتين عن أمه التي كانت متواجدة قبل قليل على مقربة منه جزعت حينما لم تلمحها في المكان فجأة تعالت صرخات الصغير وبدا كما لو كان يستنجد
 

10  11 

انت في الصفحة 10 من 29 صفحات